الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال:
{لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الكفر والكذب.قوله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} قال الكسائي: نصب {رَجُلًا} لأنه ترجمة للمثل وتفسير له، وإن شئت نصبته بنزع الخافض، مجازه: ضرب الله مثلًا برجل {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} قال الفرّاء: أي مختلفون.وقال المبرّد: أي متعاسرون من شَكُس يَشكُس شُكْسًا بوزن قفل فهو شَكِسٌ مثل عَسُر يَعْسُر عُسْرًا فهو عسِر؛ يقال: رجل شَكِسٌ وشَرِسٌ وضَرِسٌ وضَبِسٌ.ويقال: رجل ضَبِسٌ وضَبِيسٌ أي شِرسٌ عسِر شَكِسٌ؛ قاله الجوهري.الزمخشري: والتشاكس والتشاخس الاختلاف.يقال: تشاكست أحواله وتشاخست أسنانه.ويقال: شاكسني فلان أي ماكسني وشاحَّني في حقي.قال الجوهري: رجل شَكْس بالتسكين أي صَعْب الخُلُق.قال الراجز: وقوم شُكْسٌ مثال رَجلٌ صَدْق وقوم صُدْق.وقد شَكِس بالكسر شَكَاسةً.وحكى الفراء: رجل شَكِسٌ.وهو القياس، وهذا مَثَل مَن عبد آلهة كثيرة.{وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ} أي خالصًا لسيد واحد، وهو مَثَل مَن يعبد الله وحده.{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} هذا الذي يخدم جماعة شركاء، أخلاقهم مختلفة، ونياتهم متباينة، لا يلقاه رجل إلا جرَّه واستخدمه؛ فهو يلقى منهم العناء والنصب والتعب العظيم، وهو مع ذلك كله لا يرضي واحدًا منهم بخدمته لكثرة الحقوق في رقبته، والذي يخدم واحدًا لا ينازعه فيه أحد، إذا أطاعه وحده عرف ذلك له، وإن أخطأ صفح عن خطئه، فأيهما أقل تعبًا أو على هدى مستقيم.وقرأ أهل الكوفة وأهل المدينة {وَرَجُلًا سَلَمًا} وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وعاصم الجَحْدَري وأبو عمرو وابن كثير ويعقوب {وَرَجُلًا سَالِمًا} واختاره أبو عبيد لصحة التفسير فيه.قال لأن السالم الخالص ضدّ المشترك، والسَّلَم ضدّ الحرب ولا موضع للحرب هنا.النحاس: وهذا الاحتجاج لا يلزم؛ لأن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمل إلا على أولاهما، فهذا وإن كان السلم ضدّ الحرب فله موضع آخر؛ كما يقال لك في هذا المنزل شركاء فصار سلمًا لك.ويلزمه أيضًا في سالم ما ألزم غيره؛ لأنه يقال شيء سالم أي لا عاهة به.والقراءتان حسنتان قرأ بهما الأئمة.واختار أبو حاتم قراءة أهل المدينة {سَلَمًا} قال وهذا الذي لا تنازع فيه.وقرأ سعيد بن جبير وعكرمة وأبو العالية ونصر {سِلْمًا} بكسر السين وسكون اللام.وسِلْمًا وسَلَمًا مصدران، والتقدير: ورجلًا ذا سلم فحذف المضاف و{مَثَلًا} صفة على التمييز، والمعنى هل تستوي صفتاهما وحالاهما.وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس.{الحمد للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} الحق فيتبعونه.قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} وقرأ ابن محيصن وابن أبي عَبْلة وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق {إِنَّكَ مَائِتٌ وَإِنَّهُمْ مَائِتُونَ} وهي قراءة حسنة وبها قرأ عبد الله بن الزبير.النحاس: ومثل هذه الألف تحذف في الشواذ و{مائت} في المستقبل كثير في كلام العرب؛ ومثله ما كان مريضًا وإنه لمارض من هذا الطعام.وقال الحسن والفراء والكسائي: الميّت بالتشديد من لم يمت وسيموت، والمَيْت بالتخفيف من فارقته الروح؛ فلذلك لم تخفف هنا.قال قتادة: نُعِيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسُه، ونُعِيت إليكم أنفُسكم.وقال ثابت البُنَاني: نَعَى رجلٌ إلى صلة بن أَشْيَم أخًا له فوافقه يأكل، فقال: ادْنُ فكُلْ فقد نُعِي إلي أخي منذ حين؛ قال: وكيف وأنا أوّل من أتاك بالخبر.قال إن الله تعالى نعاه إليّ فقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}.وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بموته وموتهم؛ فاحتمل خمسة أوجه: أحدها أن يكون ذلك تحذيرًا من الآخرة.الثاني أن يذكره حثًّا على العمل.الثالث أن يذكره توطئة للموت.الرابع لئلا يختلفوا في موته كما اختلفت الأمم في غيره، حتى أن عمر رضي الله عنه لما أنكر موته احتج أبو بكر رضي الله عنه بهذه الآية فأمسك.الخامس ليعلمه أن الله تعالى قد سوّى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره؛ لتكثر فيه السلوة وتقل فيه الحسرة.{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} يعني تخاصم الكافر والمؤمن والظالم والمظلوم؛ قاله ابن عباس وغيره.وفي خبر فيه طول: إن الخصومة تبلغ يوم القيامة إلى أن يحاج الروح الجسد.وقال الزبير: لما نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله! أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال: «نعم ليكررنّ عليكم حتى يؤدَّى إلى كل ذي حق حقه» فقال الزبير: والله إن الأمر لشديد.وقال ابن عمر: لقد عشنا برهة من دهرنا ونحن نرى هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فقلنا: وكيف نختصم ونبينا واحد وديننا واحد، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف؛ فعرفت أنها فينا نزلت.وقال أبو سعيد الخدري: كنا نقول ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة.فلما كان يوم صِفِّين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا.وقال إبراهيم النَّخَعي: لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: ما خصومتنا بيننا؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومتنا بيننا.وقيل: تخاصمهم هو تحاكمهم إلى الله تعالى، فيستوفي من حسنات الظالم بقدر مظلمته، ويردّها في حسنات من وجبت له.وهذا عام في جميع المظالم كما في حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال: «إن المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرِحت عليه ثم طرح في النار» خرجه مسلم.وقد مضى هذا المعنى مجوَّدًا في آل عمران وفي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له مظلمة لأحد من عِرْضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أُخِذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أُخِذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» وفي الحديث المسند: «أوّل ما تقع الخصومات في الدنيا» وقد ذكرنا هذا الباب كله في التذكرة مستوفى. اهـ.
وجوز أن يكون الوجه بمعنى الجملة والمبالغة عليه دون المبالغة فيما قبله.وقيل: الاتقاء بالوجه كناية عن عدم ما يتقي به إذ الاتقاء بالوجه لا وجه له لأنه مما لا يتقي به، ولا يخلو عن خدش، وإضافة سوء إلى العذاب من إضافة الصفة إلى الموصوف و{يَوْمُ القيامة} معمول يتقي كما أشرنا إلى ذلك.وجوز أن يكون من تتمة سوء العذاب، والمعنى أفمن يتقي عذاب يوم القيامة كالمصر على كفره، وهو وجه حسن والوجه حينئذ كما في الوجه السابق إما الجملة مبالغة في تقواه وإما على الحقيقة تصويرًا لكمال تقواه وجده فيها وهو أبلغ.والمتبادر إلى الذهن المعنى السابق، والآية قيل نزلت في أبي جهل {وَقِيلَ لِلظَّلِمِينَ} عطف على يتقي أي ويقال لهم من جهة خزنة النار، وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق والتفرر؛ وقيل الواو للحال والجملة حال من ضمير {يَتَّقِى} بإضمار قد أو بدونه، ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم والإشعار بعلة الأمر في قوله تعالى: {ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} أي وبال ما كنتم تكسبون في الدنيا على الدوام من الكفر والمعاصي.
|